«شقة الفول».. وجبة المصريين الصباحية في أزمة الأسعار
«شقة الفول».. وجبة المصريين الصباحية في أزمة الأسعار
حسبة سريعة في رأس محمود علي، وهو يقف أمام بائع ساندوتشات الفول بأحد شوارع شبرا. يقرر شراء «فول محوج» في أحد الأكياس، وقرطاس طعمية كبير، يكفيه وزملاء العمل، عوضا عن شراء الساندوتشات، التي ارتفع سعرها مؤخرا. يتصل الشاب بزملائه، ويطلب منهم تجهيز أطباق في محل العمل، وحين اندهشوا من الأمر، أخبرهم بأن ذلك أكثر توفيرا لهم.
على مدار الأيام الماضية، ارتفعت أسعار الفول في كثير من العربات والمحال، سواء في مناطق شعبية أو أخرى راقية، والمبرر لدى الباعة، ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي تباع على العربة، بداية من سعر الفول، امتدادا إلى الزيت والطحينة والخبز والخضراوات. يقول محمود إنه كان يشتري ساندوتش الفول بجنيهين ونصف الجنيه، منذ بداية العام الجاري، لكنه الآن وصل إلى 3 جنيهات ونصف الجنيه، في قفزة تمت على مراحل، لكنها كبيرة، ولا تتناسب مع الوجبة الشعبية الصباحية.
يشتري الرجل لنفسه 4 ساندوتشات في الصباح، ويشتري لزملاء عمله في أحد المحال التجارية في روض الفرج، ما بين بيض وطعمية وبطاطس وغيرها، لكنه الآن يشتري الفول سائبا في كيس، والطعمية في قرطاس، باعتبار أن ذلك أوفر قليلا: «الـ4 ساندوتشات بـ14 جنيه، طب ما أشتري فول سايب وكام طعمية وكده أرخص» يحكي الشاب الذي طلب من زملاء العمل تجهيز الأطباق اللازمة للأكل، وأخبر أحدهم بأن عليه الذهاب لشراء الخبز.
يقول سعد ربيع، وهو بائع فول في شبرا إن أسعار الفول ارتفعت الفترة الماضية نتيجة انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، وقلة العملة الصعبة بعد الحرب الروسية الأوكرانية منذ فبراير الماضي، إضافة لأزمات الاستيراد، وهي تفاصيل يستمع إليها في وسائل الإعلام، غير أنه يضيف لها أمورا أخرى يعاينها بنفسه: «التجار نفسهم بيغلوا على بعض قبل ما الزيادة نفسها تحصل، ولو عرف إن في ارتفاع أسعار حاجة ممكن تحصل قريب، بيخزن البضاعة، وده اللي عاملنا ضرر، ومفيش رقابة» يحكي الشاب الذي اضطر لرفع سعر الفول على عربته، سواء كان طلبا أو في الخبز، كي لا يتعرض لخسارة متوقعة حال استمرار بيعه بنفس الأسعار القديمة.
مصطلح الأسعار القديمة نفسه بات مثار سخرية للبعض، إذ أن الأسعار تشهد تقلبات سريعة وبعضها حاد على مدار الفترة الأخيرة، إلى الحد الذي بات معه التساؤل حول أسعار أصناف بعينها يختلف في أيام قليلة، وهو أمر غير معهود على سلع بعينها، كان الفول أحدها: «لو أقولك أنا كنت ببيع بسعر واحد لمدة 4 سنين مثلا مش هبقى ببالغ، دلوقتي أنا في السنة ممكن أغير السعر تلات مرات مثلا، ومعرفش ده هينتهي لحد فين، ومحدش يقدر يجاوب على سؤال زي ده، محدش عارف حاجة».
خلال شهر سبتمبر الماضي، استود المصريين الفول، ذي الحبة العريضة والصغيرة بـ2 مليون و62 ألف دولار، مقابل 3 ملايين و659 ألف دولار في الشهر نفسه من العام الماضي، بحسب بيانات النشرة السنوية للتجارة الخارجية، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وبحسب الجهاز نفسه فإن الحبوب والخبز يحتلان المركز الثالث في السلة الغذائية للمصرين.
يقول «أبو أحمد» وهو بائع فول في المهندسين، إن سعر الساندوتش لديه لم يرتفع كثيرا على العربة التي يعمل عليها، لكنه وصل لـ3 جنيهات، رغم أنه في محيطه وصل لـ4 جنيها: «لكن الفول نفسه زاد سعره، الكيلو دلوقتي المستورد في بـ25 وفي بـ22 جنيه الكيلو، ده غير سعر الطحينة والزيت، والطماطم والخضار والبطاطس، كله بيزيد، فلازم نزود بس واحدة واحدة عشان الناس برضه وظروفها».
على عربة قريبة، كان «نادي» يبيع الفول بـ4 جنيهات للساندوتش، بعدما وصل سعر كيلو الفول البلدي لأكثر من 30 جنيها، بحسب الرجل، الذي كان يشتري الكيلو بنحو نصف ذلك السعر قبل بداية العام الجاري: «الكيلو كان بـ14 بقى بـ18 ودلوقتي وصل لـ35 جنيها». يحكي الشاب، الذي أصبح يشتري كيلو الطحينة بـ80 جنيها، ويستهلك منها نحو 20 كيلو في اليوم، وارتفاع سعر زيت القلي، لـ1200 جنيها للـ20 كيلو: «فأنا بحاول أبيع حاجة نضيفة، ومضطر أزود السعر، لكن أنا كبياع مش مبسوط، أنا متضرر».
لا يبيع الشاب الفول سائبا على عربته، يعتبر الأمر خسارة كبيرة له، ومن وجهة نظره فإن شراء فول بـ5 جنيهات، لن يكفي شخصا واحدا، لارتفاع السعر، وبالتالي فإنه مضطر لعدم بيعه إلا في ساندوتشات: «الناس حتى مبقتش تقول هو السعر زاد ليه، عشان هم شايفين الدنيا حواليهم عاملة إيه ووصلت لإيه، فبيشتروا من سكات وخلاص، وفي غلابة بتقف تاكل ومبتدفعش وبسكت، عشان ده أكل ومش هيجبره على ده إلا الجوع».
داخل مطعم يبيع الفول والطعمية، يعمل شقيق نادي فيه، كان الرجل يبيع الفول بنفس السعر، رغم تكلفة الإيجار وفواتير الغاز والكهرباء والمياه، والتي تستلزم شهريا نحو 13 ألف جنيه. ينظر الشاب لطاسة الزيت والطعمية تأخذ دورتها داخلها، فيشير إليها قائلا: «الطعمية دي ببيعها بجنيه، بس والله دي بخسارة، شيكارة الفول المدشوش دلوقتي بـ700 جنيه، وكانت أقل من كده، وعشان كده الساندوتش بتاع الطعمية بخمسة، فالناس بتشتريها وتشتري عيش أوفر».
كان الشاب يشتري الخبز بـ60 قرشا، ثم صار يشتريه بـ80 قرشا، وعرف اليوم أن سعره سيزداد خلال أسبوع لجنيه واحد لرغيف الخبز، من أماكن يتعاقد معها لشراء الخبز: «طب أنا هزود أسعار فين تاني، لما ساندوتش الفول عندي بقى بـ4 جنيه». وتبيع محال أخرى، الساندوتش بـ8 و9 جنيهات، بحسب المكان وتجهيزه وإيجاره.
اضطر شقيق نادي للتخلي عن أحد العمال لديه، فيما رفض آخر يوميته التي اعتبرها قليلة، ورغم أن الأمر سبب للشاب أزمة في محله، إلا أنه كان حلا مؤقتا لمواجهة الأسعار المرتفعة والمتزايدة: «اليومية النهاردة 250 جنيه وفي 300، طب أنا هدفع أكتر من كده إيه أو هعمل إيه» قالها قبل أن يقاطعه أحد المشتريين، يطلب بـ10 جنيهات فول سائب، و10 جنيهات طعمية، وحين حصل على ما أراد، عاد صاحب المطعم للحديث: «الراجل ده كان بيجيلي يطلب 12 ساندوتش يوميا، دلوقتي أوفرله يشتري فول وطعمية وكام رغيف عيش وياكلهم».
على بعد أمتار من المطعم، كان مطعم آخر يبيع الفول والطعمية، يشتكي صاحبه من ارتفاع الأسعار، معزيا الأمر لجشع بعض التجار الذين يخزنون المواد الغذائية كلها، بحجة أنها ناقصة من السوق، ثم يبيعها بأسعار أعلى باعتبارها شحيحة: «أنا ببيع فول وطعمية بقالي 30 سنة، وأول مرة أحس شعور إني عاجز قدام ارتفاع الأسعار، قبل كده الزيادة كانت بتبقى منطقية ومقبولة، دلوقتي مفيش منطق». وارتفع سعر طلب الفول ليصل إلى 13 جنيها، وهو عبارة عن طبق فول صغير، وطبق سلطة وعدد من أرغفة الخبز، ويتوقع صاحب المكان أن يصل إلى أكثر من 15 جنيها قريبا.
يقول عادل نصر، نائب رئيس اتحاد الغرف التجارية، أن ارتفاع الأسعار مبالغ فيه، لعدم ارتفاع التكلفة بنفس المعدل، في ظل محاولات من الحكومة السيطرة على المبالغ في الأسعار والأسواق، قائلا في تصريحات متلفزة، إن تأخير الإفراج عن السلع أدى لوجود عجز في أغلبها. وهي أزمة تعود لنظام الاعتمادات المستندية، الذي صدر قرار من البنك المركزي المصري بإلغائه.