في إطار سعى الحكومة المصرية لجلب عملات أجنبية لتضيق الفجوة الدولارية الموجودة منذ عام ونصف، كان السماح للمصريين بالخارج بإدخال سيارات للبلاد مع إعفائهم من الرسوم الجمركية وباقي أنواع الرسوم، على أن يتم دفع قيمة تلك الجمارك والرسوم بالعملات الأجنبية، والتي ستحتفظ الحكومة المصرية بها كوديعة لديها لمدة خمس سنوات بدون عائد، يتم سدادها بالجنيه المصرية بعد تلك السنوات الخمس بسعر الصرف السائد حينذاك.
وتفاءل وزير المالية بإمكانية دخول نصف مليون سيارة، يمكن أن تضخ لمصر 2.5 مليار دولار خلال الشهور الأربعة التي تمثل مدة المبادرة، لكن النتائج الفعلية لأول أسبوعين من المبادرة التي بدأت منتصف الشهر الماضي، كانت شديدة التواضع وتمثلت في قيام 91 شخصا بدفع قيمة المستحقات الخاصة بسياراتهم والبالغة حوالي 1.5 مليون دولار.
ومن الإنصاف القول إن فترة البداية عادة تمثل فترة تجارب سواء للمغتربين أو للجهات الحكومية، بحيث يمكن الاستفادة منها بشكل أكبر خلال الأسابيع التالية، لكن ما ظهر من خلال القواعد المنفذة لقانون سيارات المغتربين يشير إلى صعوبات عديدة، يمكن بالفعل أن تقلل من الاستفادة من تلك المبادرة التي ظلت تمثل مطلبا للمغتربين منذ 15 عاما.
ولعل استعراض الإجراءات العشرة المطلوبة لإدخال المغترب سيارة للبلاد خير شاهد على تلك الصعوبات، حيث تبدأ الخطوات بفتح المغترب حساب إلكتروني على منصة سيارات المغتربين، ليقوم بتسجيل بياناته به وإرفاق صور المستندات الخاصة به من هوية ومستند إقامة سارٍ في أحد البلدان وحساب مصرفي بذلك البلد، ثم التسجيل الأولى لبيانات السيارة التي يرغب في إدخالها، بعد التصديق على تلك المستندات من خلال القنصلية المصرية في بلد إقامته.
تكرار إرسال المستندات للمالية مرتين
وبعد ذلك ترد عليه المنصة بتحديد المبلغ النقدي المستحق على تلك السيارة، شاملا الجمارك وضريبة القيمة المضافة وضريبة الجدول ورسم تنمية الموارد، ليقوم المغترب بعدها بكتابة إقرار وتعهد بصحة البيانات والمستندات، ويعقب ذلك قيام المنصة بإصدار أمر دفع له، ليقوم بإرسال المبلغ المطلوب بالدولار إلى الحساب المصرفي المخصص لذلك خلال أربعة أشهر، مع تحمله رسوم التحويل، ليقوم بعدها البنك المركزي المصري بفحص حسابه المصرفي، كما تقوم وزارة المالية بالتأكد من استيفائه للشروط.
وبعدها تصدر له الموافقة لاستيراد السيارة، وبعد وصول الموافقة له، فعليه التعامل مع منصة أخرى تابعة لوزارة المالية تسمى منصة نافذة، تختص بالتسجيل المسبق للشحنات الواردة عن طريق الموانئ البحرية، بتقديم كافة البيانات والمستندات السابق تقديمها مرة أخرى لإعطائه رقم قيد جمركي مبدئي، وبعد ذلك يتم صدور شهادة إفراج جمركي مبدئي بعد دفع رسوم لوزارة الداخلية وجهاز الاتصالات، ويلي ذلك مرحلة الإفراج النهائي من ميناء وصول السيارة.
وهكذا يمكن تفسير الإحصاءات المعلنة من قبل السلطات المصرية، عن بلوغ عدد المسجلين بالمبادرة خلال الأسبوعين الأولين 22.5 ألف شخص، حيث أن تلك هي مرحلة البداية وهو أمر لا يضمن استمرارهم في باقي الخطوات، كذلك بلوغ عدد من تلقوا أمر دفع 2273 شخص لا يعني أن جميعهم سيدفعون.
بل إنه بعد الدفع يمكن لبعضهم عدم الاستمرار في الإجراءات واسترداد أمواله، وحتى الأشخاص الذين دفعوا بالفعل والبالغ عددهم 91 شخصا يمكن لمن أراد منهم استرداد ما دفعه، وكذلك عدم استكمال باقي الإجراءات لتظل العبرة بعدد السيارات التي تحصل على إفراج جمركي نهائي وهو ما لم يحدث بعد.
شروط صعبة للحسابات المصرفية
وتتطلب كل مرحلة من تلك المراحل أياما لإنجازها مثل مرحلة فحص الحساب المصرفي التي تتم خلال سبعة أيام، إلا أن تلك المراحل العشر والتي ستليها إجراءات أخرى داخل إدارات المرور لترخيص السيارة، لا تمثل المشكلة الأكبر بالمقارنة للعديد من شروط الاستفادة من المبادرة.
وأول هذه الإجراءات أن يكون حساب المغترب المصرفي في بلد الإقامة قد مضت عليه ثلاثة أشهر على الأقل قبل إرسال البيانات الخاصة بالحساب، وكذلك وجود كامل قيمة الوديعة التي سيرسلها لمصر بالحساب الخاص به قبل الإرسال بثلاثة أشهر، رغم تعوّد غالبية المغتربين خاصة في دول الخليج على إرسال الجزء الأكبر من دخولهم لأسرهم بمصر، سواء لنفقات المعيشة أو لادخار أو استثمار جزء منها، مما يعني صعوبة توافر كامل قيمة الوديعة المطلوبة، والتي تتخطى العشرين ألف دولار في أحيان كثيرة، وكأن السلطات تكافئ المدخرين منهم في الخارج وتعاقب المدخرين منهم في الداخل.
وزادت الشروط الأمر صعوبة بعدم السماح لهم بإرسال مبالغ من مدخراتهم في مصر للوفاء بقيمة الوديعة، أو حتى سدادها من الداخل بالدولار بحساب وزارة المالية المخصص للمبادرة، فلا بد أن يكون كامل القيمة مُحولا من الخارج ومرت عليه ثلاثة أشهر داخل الحساب.
والمشكلة الأخرى هي كبر قيمة المبالغ المطلوب سدادها، حيث تتعدد أنواع الرسوم والضرائب على السيارات المستوردة والتي يتم حسابها تراكميا. فلو تصورنا أن هناك ضريبة جمركية بنسبة 40 في المائة على سيارة سعة محركها حتى 1600 سي سي، وعليها كذلك رسم تنمية موارد بنسبة 3 في المائة، وضريبة جدول بنسبة واحد في المائة وضريبة قيمة مضافة 14 في المائة، فإن احتساب القيمة يكون كالتالي: حساب نسبة الجمارك البالغة 40 في المائة على ثمن السيارة، ثم حساب رسم التنمية البالغ 3 في المائة على مجموعي ثمن السيارة والجمارك معا، ثم حساب ضريبة الجدول البالغة واحد في المائة على مجموع العناصر الثلاثة السابقة (ثمن السيارة وقيمة الجمارك وقيمة رسم التنمية)، ثم حساب ضريبة القيمة المضافة بنسبة 14 في المائة على مجموع المكونات الأربعة السابقة.
تمييز المقيمين ببلدان الاتفاقيات التجارية جمركيا
ومن هنا كانت تلك الرسوم المطلوبة أعلى بكثير من قيمة شراء السيارة ببلد الإقامة، بل لقد ذكر بعض العاملين بمجال السيارات أن تلك القيمة تزيد عن ثمن بيع نفس موديل السيارة داخل مصر، بعشرات الآلاف من الجنيهات في بعض الطرازات.
وتزداد المشكلة مع السيارات الأكبر بسعة المحرك والتي ترتفع بها نسبة الجمارك من 40 في المائة إلى 135 في المائة من قيمتها، كما ترتفع معها أيضا نسبة رسم التنمية من 3 في المائة إلى 8.5 في المائة، وكذلك مع ضريبة الجدول التي ترتفع من واحد في المائة إلى 15 في المائة حتى أقل من 2000 سي سي، و30 في المائة لأكثر من 2000 سي سي.
وتأتي المشكلة الأكبر وهي التفرقة في قيمة الوديعة المطلوبة لنفس موديل السيارة، حسب بلد إقامة المغترب، حيث تم الإعفاء من الرسوم الجمركية على السيارات في البلدان التي عقدت مصر معها اتفاقيات تجارة حرة، مثل دول الاتحاد الأوروبي ودول رابطة التجارة الحرة الأوربية (سويسرا والنرويج وأيسلندا وليختنشتاين).
وكذلك مع تركيا وبريطانيا ودول اتفاقية أغادير (المغرب والأردن وتونس)، بينما تم الإبقاء على تلك الرسوم الجمركية والتي تصل نسبتها إلى 135 في المائة من قيمة السيارة الأكبر من 1600 سي سي لسعة محركها في باقي الدول.
وهنا تظهر الفروق الكبيرة في قيمة الوديعة المطلوبة على نفس موديل السيارة، فسيارة ستروين "دي أس 7" أقل من 1600 سي سي، موديل 2022 أي التي تصل نسبة جمركها 40 في المائة، تبلغ قيمة وديعتها 7948 دولارا في دول الاتفاقيات التجارية، بينما تصل قيمة الوديعة لنفس السيارة في الدول الأخرى 28 ألفا و224 دولارا.
ويزداد الفارق في السيارات الأكبر من 1600 سي سي موديل 2022، والتي تصل نسبة جمركها 135 في المائة، حيث تصل الرسوم بالنسبة لسيارة سكودا (kodiaq) 17.5 ألف دولار في دول الاتفاقات مقابل 103.7 ألف دولار في باقي الدول.
صعوبة استخراج شهادة المنشأ الأوروبية
ونظرا لكون غالبية المغتربين يعملون في دول الخليج، فإن تلك القيم المرتفعة المطلوبة ستكون حاجزا دون استفادتهم من المبادرة، حيث يعتبر المصريون العاملون خارج بلدان الاتفاقيات أن هناك تفرقة وشبهة عدم دستورية مما أثار استياءهم، وزاد من مطالبتهم بالسماح للمغترب بشراء السيارة التي يريد إدخالها من أي بلد وليس من بلد الإقامة.
كما ثارت تساؤلات عن عدم شمول الاتفاقات التجارية العربية المستفيدة من الإعفاء الجمركي للسيارات المستوردة؛ الدول العربية، رغم وجود اتفاقية التجارة الحرة العربية التي دخلت حيّز النفاذ بداية عام 1998، وتم التحرير الكامل لكافة السلع بها منذ بداية عام 2005.
وإذا كان المقيمون في أوروبا أكثر حظا من حيث قيمة الوديعة المطلوبة، فلا يخلو الأمر معهم من صعوبة الحصول على شهادة يورو 1 المطلوبة لاعتبار السيارة ذات منشأ أوروبي، بينما لا يمنح التجار هناك تلك الشهادة سوى لوكلاء سياراتهم في مصر.
كذلك اقتصار المبادرة على السيارات الخاصة، بينما يفضل البعض إدخال سيارات نقل تمثل مصدر دخل لأسرهم وأكثر إفادة للمجتمع التجاري من السيارة الخاصة، وأن القول بأنه تم إعفاؤهم من الرسوم والجمارك غير صحيح على إطلاقه، بالأخذ بالحسبان تكلفة الفرصة البديلة لأموالهم التي أودعوها لمدة خمس سنوات بلا عائد، في ظل بلوغ نسبة العائد الحالية على شهادات الادخار بالجنيه في البنوك الحكومية المصرية، ذات ثلاث سنوات 17.25 في المائة وذات خمس سنوات 12.25 في المائة.
ويقول الكثيرون إن تلك الشروط للمبادرة تشير إلى عدم تشاور المسؤولين عنها مع المصريين في الخارج، قبل وضع تلك الشروط، حيث أن غالبية سيارات المصريين في الخليج مُشتراه بالتقسيط على عدة سنوات وبالتالي يصعب إرسالها لمصر إلا بعد الوفاء بثمنها.
كما أن تلك الشروط كان يجب أن تأخذ في حسابها قدر التحويلات المالية التي حولوها للبلاد خلال السنوات الماضية، وتمييز أصحاب تلك التحويلات عند وضع الشروط، بخلاف المهاجرين الذين استقروا في بلاد المهجر ولا يرسلون تحويلات مالية، ومع ذلك حصلوا على ميزة سعرية خلال إدخال السيارات لوجود اتفاقات تجارية مع بلدان إقامتهم.